السبت، 23 يوليو 2011

ريتشارد ستولمان وحركة البرمجيات الحرة



ريتشارد ستولمان وحركة البرمجيات الحرة

لم تعد العبارة "البرمجيات العمومية المصدر" هذه الأيام من العبارات المستهجنة، أو تلك التي تدفع بمن حولك من عبدة مايكروسوفت و نظام ويندوز، إلى السخرية والاستهزاء بك، وبالمبدأ بأكمله. وعندما تذهب إلى المؤتمرات الصحفية أو تجتمع بأقطاب صناعة الحاسوب في منطقتنا العربية فإنك ستجد الغالبية العظمى منهم على اطلاع حميم بنظام التشغيل لينكس، بل ومجرد أن تذكر أنك أحد المستخدمين، فإنك تلقى إحتراماً أكبر من مستخدمي نظام ويندوز.
لكم تغير الوضع عما كان عليه قبل ثلاثة أعوام حين كان مؤيدو مبدأ البرمجيات العمومية المصدر، أو برمجيات المصدر المفتوح Open Source Software، مجموعة من الأغبياء أو الحالمين على أفضل تقدير، أما اليوم فهم الموضة السائدة، وهنالك كم كبير من البرمجيات عمومية المصدر في الأسواق، بل وتتسابق الشركات العالمية التجارية في التباهي بحجم الشفرة المصدرية التي أتاحتها هذه للعموم، فها هي صن تتيح 8 ملايين سطر من الشفرة للمبرمجين، وها هي آي بي إم تنفق 1 مليار دولار على الترويج لنظام لينكس، وما إلى ذلك من الإعلانات. كما أن نظام لينكس اليوم يشكل 25% من شحنات نظم التشغيل الموجهة لأجهزة الخادم.
وفي حين يعزو البعض هذا النجاح الساحق لثورة المصادر العمومية إلى لينوس تورفالدس، والذي صار أشهر من نار على علم، وانتشرت صوره في المجلات التقنية وغير التقنية، فإن الأب الروحي، والمؤسس الحقيقي لثورة المصادر العمومية (وهو يكره هذه التسمية لأسباب سنذكرها لاحقا)، يبقى مجهولا لدى الكثيرين، يعيش في ظلال مكتب مؤسسته الخيرية، التي أطلق عليها اسم "مؤسسة البرمجيات الحرة"، ويعمل مع فريقه الصغير المؤلف من 15 مبرمجا على تطوير نواة متكاملة لنظام تشغيل "حر" من قيود التبعية التجارية، والتي تقيدت بها هذه الأيام العديد من البرمجيات التي تدعي أنها مجانية أو حرة، وعلى رأسها لينكس. هذا الرجل هو ريتشارد ستولمان.

الجار الصالح

يقول ستولمان عن نفسه، في سيرته الذاتية "الجدية" الموجودة على موقعه الشخصي www.stallman.org والمنشورة في الإصدار الأول من قاموس الهكرة في عام 1983، "تمّ بنائي وبرمجتي في مختبر في مدينة مانهاتن في عام 1953. وفي عام 1971 انتقلت إلى مختبر الذكاء الاصطناعي في معهد ماساتشوستس للتقنية. هواياتي هي تقديم المحبة، و الرقص الشعبي العالمي، والطيران، والطهي، والفيزياء، والتلاعب بالكلمات، وقصص الخيال العلمي، والبرمجة؛ وأتقاضى بشكل سحري راتبي مقابل ممارسة هذه الهواية الأخيرة. قبل عام طلّـقت من جهازي PDP-10 والذي اقترنت به طيلة عشرة أعوام، ورغم أننا لا زلنا نعشق بعضنا فإن العالم بدأ ينطلق في اتجاهات جديدة. ولا زلت أعيش حاليا في مدينة كامبريدج، أستذكر ماضينا سويا. اسمي هو ريتشارد ستولمان، ولكنه اسم طويل ومعقد، ولذلك يمكن أن تدعوني RMS" وستولمان شخص يعشق الحرية، ويعشق المبادئ السامية، ويكره الاضطهاد، وزيارة واحدة فقط إلى موقعه الشخصي، والاطلاع على القضايا التي يتبناها ستولمان، كإنسان وكمبرمج، تكشف عن شخصية متعددة الجوانب، عميقة، وتهدف إلى كل ما هو سام في الحياة. وفي بداية السبعينات، وبالتحديد في عام 1971، وعندما بدأ ستولمان بالعمل في مختبر الذكاء الاصطناعي، أصبح جزءا من تقليد عريق، ومجتمع للمبرمجين يقوم على مشاركة البرمجيات بشفرتها المصدرية دون أي حدود أو ضوابط، وهدفه من ذلك جعل عمل المبرمجين والمطورين أكثر إنتاجية. وكان العاملون في المختبر في تلك الأيام يستخدمون نظام تشغيل شبكي اسمه ITS قام المبرمجون في المختبر بتصميمه لأجهزة PDP-10 الإيوانية، وهي الأجهزة التي كانت مستخدمة في ذلك العصر، وكان هذا البرنامج مكتوبا بلغة التجميع. وكانت وظيفة ستولمان هي صيانة النظام وتطويره.
وفي تلك الأيام لم يكن المبرمجون يطلقون على برمجياتهم أسماء مثل "البرمجيات المجانية" أو "البرمجيات الحرة" أو "عمومية المصدر". وكان المبرمجون في تلك الأيام يسمحون للشركات الخاصة وغيرها باستخدام الشيفرة المصدرية لنظم التشغيل، وتعديلها، والإضافة إليها، واستخدامها في مؤسساتهم، بل واستخدام الأفكار الواردة في هذه الشيفرة لابتكار برمجيات جديدة أفضل.
وفي أوائل الثمانينات، ومع ظهور أجهزة الكمبيوتر الشخصي، توقفت شركة ديجيتال عن إنتاج أجهزة PDP-10 حيث أنه لم يعد موائما لمتطلبات تلك المرحلة، أو متوافقا مع التقنيات الحديثة التي توفرت آنذاك. وقبل ذلك بقليل تفتت مجتمع الهكرة العاملين في مختبر الذكاء الاصطناعي، وتحول معظم العاملين فيه إلى شركة جديدة هي شركة سيمبولكس، حيث لم يعد المختبر قادرا على تمويل عملياته.
وكأن هذه الضربة لم تكن كافية لستولمان، فقد كانت نظم التشغيل الجديدة مثل VAX، تعتمد نظم تشغيل خاصة تنتجها الشركات مقابل مبالغ ضخمة من الأموال لترخيصها، كما أنها أصبحت تجبر المبرمجين على توقيع اتفاقيات عدم إفصاح، مما منع مشاركة الشيفرة المصدرية للبرمجيات بين المطورين.
وحسب تفسير ستولمان، فإن توقيع هذه الاتفاقيات كان يعني تخلي الإنسان عن أخيه الإنسان، وتخليه عن مساعدة جاره، كما أن هذه الاتفاقيات دمرت تقليدا تعود أصوله إلى بداية عهد الحوسبة، ومجتمعا قائما على تقاليد سامية. وأصبح القانون الجديد-حسب شركات تطوير البرمجيات التجارية-هو أنك "إذا ساعدت جارك، فإنك ستتحول إلى قرصان. وإذا أردت أي تغييرات أو تعديلات أو تصليحات فإن عليك أن تتوسل وتتسول وتستجدي وتستعطف إلى أن تحصل عليها، هذا بالطبع إذا قررنا أن في مصلحتنا التجارية أن نقوم بذلك." ويقول ستولمان في سيرته الذاتية بأن هذه الفكرة، وفكرة وجود برامج تجارية، هي فكرة لا اجتماعية، وغير أخلاقية، ولا إنسانية، حيث أنها تنفي فكرة مساعدة الإنسان لأخيه الإنسان، وتربط ذلك بالمصالح التجارية.
وكانت تلك اللحظة بمثابة مفترق طرق بالنسبة لستولمان، والذي صمم في حينها أن يكرس حياته، وأن يعيش لأجل غاية واحدة، وهي تطوير البرمجيات الحرة. والبرمجيات الحرة ليست كالبرمجيات العمومية المصدر، كما أن كون برنامج ما مجاني لا يعني أنه حر. فحرية البرمجيات بالنسبة لستولمان تعني إتاحة الشيفرة المصدرية، أو الوصفة السرية للبرنامج، إلى العالم أجمع، وإتاحة الفرصة للمطورين كي يستفيدوا من هذه الشيفرة المصدرية في تطوير برمجياتهم الخاصة، ومساعدة الغير، شريطة أن يعلنوا عن تغييراتهم وأن يجعلوها هي الأخرى عمومية المصدر وحرة من القيود التجارية. وهذا بالتالي سيقود إلى تسهيل تناقل الإبداع، وتضخيم أثره، وتعظيم فائدته.
رفض ستولمان الانصياع والاستكانة، وأنشأ مؤسسة البرمجيات الحرة Free Software Foundation، وعزم على تكريس حياته لها، وجعل هدفها هو تطوير مجموعة من البرمجيات الحرة التي تغطي كافة احتياجات العاملين في مجال الحوسبة، بدءا بنواة نظام التشغيل، وانتهاء بمعالجات الكلمات وأدوات تطوير البرمجيات، وما إلى ذلك. وقال ستولمان في مقابلة أُجراها معه المحرر التقني في مجلة Salon.com في عام 1998، "عندما نظرت إلى عالم الحوسبة ورأيت الطريق الذي بدأ بسلوكه، قررت بأن ذلك المسلك سيكون مقرفا بالنسبة لي، وبأنني سأقضي حياتي خجلا من نفسي إذا سلكته، وبأنني إذا عملت على تقوية عرش البرمجيات التجارية فإنني سأكون من المسئولين عن جعل العالم مكانا سيئا لمن يعيشون فيه."

برمجيات حرة

كان هدف ستولمان من إنشاء مؤسسة البرمجيات الحرة ، هو إنشاء مجتمع وجيل جديد من المطورين يعود بالبرمجيات إلى بداياتها الفلسفية، أي المشاركة الحرة لها دون قيد أو شرط، وأيضا التعاون الحر بين المبرمجين والمستخدمين على تطوير البرمجيات. ويقول ستولمان بأن الحياة في مجتمع "حر" تختلف عن الحياة في مجتمع "حمائي" أو "خصوصي" أو "معزول"، ففي هذه المجتمعات الخصوصية تتشكل طريقة تعاملنا مع الآخرين من خلال الخوف، الخوف من شرطة الأفكار أو شرطة المعلوماتية، والذين يمثلهم حاليا اتحاد منتجي البرمجيات التجارية. وانطلاقا من هذه المبادئ، عمل ستولمان ليل نهار لمدة عامين متواصلين. وكان نتيجة جهوده الأولية هذه هو برنامج emacs ، وهو معالج نصوص شامل لنظم يونيكس. ولما كانت مؤسسة البرمجيات الحرة تبيع البرنامج كشيفرة مصدرية غير مولفة، فقد عمل مطورون مختلفون من جميع أنحاء العالم على إضافة بعض الميزات إلى البرنامج، وتوليفه ليعمل ضمن بيئات مختلفة. وهذه الأيام أصبح EMACS برنامجا هائلا يمكن العاملين ضمن نظم يونيكس من تأدية العشرات من المهام سواء كانت تحرير النصوص، أو تصفح إنترنت، أو كتابة البريد الإلكتروني، أو تطوير البرمجيات، الخ.
ويطلق ستولمان على برمجياته اسم GNU وهي اختصار للعبارة GNU's Not Unix والتي تلخص معارضته لنظام يونيكس، والذي صار في حقبة الثمانينيات نظاما خاصا تجاريا مقفل المصدر ، يعارض كل ما يؤمن به ستولمان. ومنذ تطوير emacs قام ستولمان ورفاقه (وكثير منهم من المتطوعين) في المؤسسة بتطوير العشرات من البرمجيات الحرة. والتي تعمل ضمن رخصة أطلق عليها ستولمان اسم GPL GNU Public License والتي تنص على أنه يمكن لكل من يمتلك أحد برامج GNU أن يقوم بنسخه، أو تغييره، أو تعديله، وحتى بيعه طالما كانت الشيفرة المصدرية والتعديلات التي يقوم بها هؤلاء متاحة لجميع مستخدمي البرنامج دون تمييز. ورغم عشرات البرمجيات التي قام ستولمان ورفاقه بتطويرها ، والتي اقتربت إلى حد كبير من تشكيل نظام تشغيل متكامل، فإن نظامهم كان يفتقر إلى نواة لهذا النظام، وهو ما كانوا يعملون عليه تحت اسم HURD . وفي أواخر الثمانينات، ألهمت جهود ستولمان شخصا فنلنديا باسم لينوس تورفالدس، والذي قام بإنشاء نواة لنظام تشغيل (اعتمادا على الكثير من الكود الذي كتبه ستولمان) أطلق عليها اسم لينكس ، وأتاحها للعموم باستخدام GPL ، والبقية كما يقولون أصبحت في عداد تاريخ الحوسبة المعاصرة.

صراع بين العمومي والحر

في حين أن البرمجيات الحرة تعني "الحرية المطلقة" في استخدام البرمجيات وشيفرتها المصدرية، فإن "عمومية المصدر" تعني إتاحة الشيفرة المصدرية للبرنامج للعامة من المطورين والمستخدمين، ولكن في الوقت نفسه تقييد حرية هؤلاء في إجراء تعديلات على البرمجيات أو توزيعها.
يقول ستولمان أن مفهوم "حرية البرمجيات" تعرض للتشويه في عام 1998 عندما صمم بعض أعضاء مجتمع البرمجيات الحرة استخدام مفهوم عمومية المصدر. وبالنسبة للبعض كان السبب في ذلك هو أنن أعضاء المجتمع أرادوا أن يفرقوا ما بين حر ومجاني—وهو هدف جيد. ولكن ما ضايق ستولمان هو أن آخرين أرادوا أن ينحوّا جانبا المبادئ التي تقوم عليها حركة البرمجيات الحرة، إرضاء لرجال الأعمال والمستثمرين، وتجار الأوراق المالية، والمستخدمين في المؤسسات الذين يريدون الدعم الفني دوما. ويرى ستولمان بأنه رغم أن الشركات التي تنتج البرمجيات عمومية المصدر ترغب في إنتاج برمجيات قوية وذات نوعية عالية، فإنها تتجاهل المبادئ الأساسية وهي الحرية، والمبدأ، والمجتمع.
ويقول ستولمان بأن المجلات المتخصصة في لينكس هي مثال حي على ذلك، حيث أنها تقوم على نشر إعلانات الشركات التجارية التي تنتج برمجيات "غير حرة" تعمل ضمن نظام لينكس الحر، في حين أنها تتجاهل الإعلان عن البرمجيات الحرة الجديدة. ورغم أن الحصول على دعم المؤسسات الكبرى للبرمجيات الحرة هو أمر هام بالنسبة لستولمان، فإنه يرى أن ذلك لا يجب أن يكون على حساب حرية البرمجيات ومستخدميها.
ويرى ستولمان أن حركة المصادر العمومية أدخلت العديد من التهديدات إلى البرمجيات الحرة، وأول هذه التهديدات هو قيام الشركات الكبرى باستخدام برمجيات حرة ضمن معدات غير حرة، حيث أن الشركات المنتجة للمعدات تحافظ دوما على سرية التفاصيل التقنية التي تدخل في إنتاج معداتها، مما يقيد حرية مستخدمي البرمجيات الحرة. أما التهديد الثاني فهو قيام بعض شركات البرمجيات بإنتاج برمجيات غير حرة لتعمل ضمن نظم التشغيل الحرة، وهو أمر مغر للكثيرين، ولكنه يؤدي في النهاية إلى عواقب وخيمة للمستخدمين، وتقييد حريتهم في الاستغلال الأمثل لنظم التشغيل والبرمجيات الحرة. (وضمن هذا التصنيف، فإن الكثير من البرمجيات التي تم إنتاجها لتعمل ضمن نظام لينكس ليست حرة، وبالتالي فإنها لا تفيد حركة المصادر العمومية بشيء). أما التهديد الثالث فهو براءات الاختراع التي يتم وضعها على البرمجيات المضمنة في البرمجيات الحرة، وهو الأمر الذي يعيق مشاركة التقنية، ونشرها، وتعديلها، أو على الأقل تأخير ذلك. وأخيرا يرى ستولمان أن هناك افتقارا في مجتمع البرمجيات الحرة لأدلة الاستخدام الحرة الجيدة. ومرة أخرى، فالحرية لا تعني المجانية، ففي عالم البرمجيات الحرة، يجب أن يكون للمستخدمين الذين يقومون بإدخال التعديلات على هذه البرمجيات الحرية في تعديل دليل الاستخدام ليغطي هذه التعديلات، دون التعرض للملاحقة القضائية. ويمكن عمل ذلك بالإشارة إلى المؤلف الأصلي، وتضمين نسخة من دليل الاستخدام الأصلي وما إلى ذلك. ولهذا السبب فإن ستولمان يرى أن شركات مثل أورايلي، ورغم أنها تنتج أدلة استخدام ممتازة، فإن افتقارها إلى الحرية، وتمسكها بحقوق الطبع والملكية الفكرية، يجعل منها مصدر تهديد لمجتمع مطوري البرمجيات الحرة.
ويرى ستولمان أن أفضل طريقة لمواجهة هذه التهديدات تكمن في مواصلة العمل والاجتهاد وحتى الجهاد في سبيل قضية الحرية. حرية كل شيء، بدءا بالإنسان، وانتهاء بحرية الموسيقى، والفن والأدب والصحافة، وبرمجيات الكومبيوتر. وقال ستولمان في مقابلة أجراها مع مجلة ألمانية ونشرها موقع slashdot.org باللغة الإنجليزيةK "عندما تكون في حملة للجهاد من أجل الحرية، فإن نتيجة المعركة تتوقف على ما يراه العامّة أو الشعب. وإذا أصرّ عدد كاف من هؤلاء على الاحتفاظ بحريتهم والدفاع عنها، فإن الغلبة ستكون للحرية في نهاية الأمر".

لا يأس مع الحياة

يؤمن ستولمان بمبدأ المحاولة المستمرة، ونبذ اليأس والاستسلام، حيث يقول، "لقد أنجزت معظم أعمالي مشككا فيما إذا كان بمقدوري أن أؤدي المهام التي حددتها لنفسي، وغير متأكد من كفاءة قدراتي لإنجاز المهام الضخمة التي ألقيتها على عاتقي. ولكنني حاولت، واجتهدت، لأن خط الدفاع الوحيد بين ما أؤمن به وبين العدو هو أنا. وفي أحيان كثيرة، فاجأت نفسي وانتصرت، وربحت.
وفي أحيان أخرى فشلت، وسقطت بعض المبادئ التي كنت أقوم بحمايتها، فماذا فعلت؟ عملت وعثرت على مبدأ آخر لأحميه، وأخذت في الاستعداد لمعركة جديدة. وبمرور الزمن تعلمت أن أبحث عن المخاطر، وأن أضع نفسي على الخطوط الأمامية للمعركة، وأن أدعو رفاقي ليحاربوا معي.
هذه الأيام يتبنى ستولمان من خلال موقعه الشخصي www.stallman.org جميع قضايا لحرية، وكل ما له علاقة بالحرية. بدءا من حقوق المسلمين والعرب في الولايات المتحدة، وانتهاء بحق تبادل الموسيقى عبر إنترنت بنسق MP3.

ستولمان والسياسة الأمريكية

بعد أحداث 11 أيلول، قام الصقور السياسيين والعسكريين في الولايات المتحدة، بالمناداة بإجراء تغييرات وتعديلات على الحريات الشخصية التي يتمتع بها المواطن الأمريكي دستوريا، مستغلين في ذلك حالة الرعب والهلع التي سادت الأجواء في الولايات المتحدة بعد تلك الأحداث المأساوية. يؤمن ستولمان بقول ردده بنجامين فرانكلين، وهو أحد مؤسسي الولايات المتحدة حين قال، "إن الأمة التي تضحي، ولو بجزء قليل من حريتها، لتحمي نفسها من الخوف، هي أمة لا تستحق الحياة." وكي يحث الأمريكيين على عدم التضحية بحرياتهم الأساسية قام ستولمان بنشر المقال القصير التالي:

ألوف الموتى، وملايين يُحرمون من الحرية؟

أسوأ الإصابات التي يمكن أن تحدث للأعصاب هي الإصابات الثانوية—أي تلك التي تحدث في الساعات التي تلي الإصابة الأولية، حيث يستجيب الجسم للإصابة بقتل المزيد من خلايا الأعصاب. ويعمل الباحثون حاليا على اكتشاف طرق لمنع هذه الإصابات الثانوية، والتخفيف من حدة الإصابة الكلية.
وإذا لم نحترس، فإن الهجمات المميتة التي حدثت في نيويورك وواشنطن، ستؤدي إلى آثار ثانوية أسوأ من الآثار الفورية لهذه الهجمات، خصوصا إذا ما تبنى الكونغرس الأمريكي "إجراءات وقائية" تسلب من الأمريكيين الحريات التي ينعمون بها ويدافعون عنها.
وأنا لا أتكلم هنا عن تفتيش المسافرين في المطارات، أو تفتيش أمتعتهم، ما دامت عمليات البحث هذه ستقتصر على الأسلحة، ولم تسفر عن الاحتفاظ بسجلات خاصة عن تحركات الأشخاص والمسافرين، فإنها مجرد إزعاج ولا تتعدى على الحريات الشخصية. ولكن ما يقلقني هو أن تستغل الحكومة هذه الأحداث للتجسس على كافة نواحي الحياة الشخصية للفرد الأمريكي، بما في ذلك المكالمات الهاتفية، والبريد الإلكتروني، وتحركاتنا الشخصية.
وينادي البعض اليوم بإدخال برمجيات كتلك التي تقوم بفحص وجوه رواد المطارات ومطابقتها إلكترونيا مع قواعد بيانات تحتوي على تفاصيل الإرهابيين المعروفين في العالم. وهناك بعض أقطاب صناعة التقنية المتحمسين لمثل هذه الحلول. ولكنني أتساءل هنا إذا ما كانت تقنيات التعرف على الوجوه ستنجح فيما فشل به البشر. إنني أشك في ذلك. ولكن ذلك لن يمنع الوكالات الاستخبارية من المناداة بمثل هذه المخططات وغيرها والتي تدعو إلى التجسس على حياة البشر، والسبيل الوحيد لمنعهم هو أن يعارض العامة هذا التوجه. والأكثر من ذلك هو أن الحكومة بدأت تنادي بضرورة وجود ثغرة في برمجيات التشفير وبعثرة البيانات يمكنهم من خلالها فك الرسائل المشفرة.
وفي هذه الأثناء قام الكونغرس بمنح الرئيس الأمريكي صلاحيات كاملة لاستخدام الجيش والقوة في الانتقام ممن قاموا بهذه الهجمات. وربما يكون الانتقام مبررا إذا ما كان بالإمكان تحديد هوية المعتدين، واستهدافهم بدقة، ولكن على الكونغرس مسئولية فحص القرارات والتدقيق بها، ومنح الرئيس مثل هذه الصلاحيات في ساعة الغضب هو ما أدى إلى تورط الولايات المتحدة في حرب فيتنام.
أرجو من الجميع الاتصال بممثليهم في الكونغرس، وبرئيسنا غير المنتخب، ودعهم يعلمون بأنكم لا تريدون أن تكون حرياتكم الشخصية وحقوقكم المدنية هي ضحية الإرهاب التالية—لا تنتظروا فمشروع القانون يوشك أن يحصل على الموافقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق